الأربعاء، 27 أبريل 2011

تكست: العدد 11 و 12 - قوة السؤال كتب عقيل عبدالحسين

قوة السؤال




*عقيل عبد الحسين












لماذا يحذف جمال الغيطاني الكاتب الروائي المصري، وصديق نجيب محفوظ، او قارئه ومحاوره في كتاب "نجيب محفوظ يتذكر" الاسئلة؟ لماذا فضل حذف الاسئلة التي وجهها الى نجيب محفوظ ليترك لنفسه وظيفتين الاولى: وظيفة تقبل الاجابات من نجيب محفوظ واعطائها مساحة الكتاب كاملة على حساب السؤال نفسه. ألم يكن لدى جمال الغيطاني وهو من مثقفي وكتاب الجيل التالي على نجيب محفوظ اي سؤال؟ أكان يعتقد ان كاتبا كبيرا كنجيب محفوظ قد وصل الى الاجابة وعليهم هم ان يؤمنوا بها؟




اما الوظيفة الثانية لجمال الغيطاني داخل كتاب "نجيب محفوظ يتذكر" فهي ايجاد علاقة ما، بين الاجابات التي يؤمن جمال الغيطاني باهميتها وصحتها، وروايات نجيب محفوظ ليبرهن، بين اوان وآخر، على ان نجيب محفوظ قدم تمثيلا آخر لاجابته في اعماله الادبية، وهو ما يؤكد قوة الاجابة وصحتها، ويزيد هيمنتها وسطوتها في نفس الغيطاني ونفوس القراء. فهؤلاء جميعا يقدرون نجيب محفوظ ويؤمنون باجاباته لايمانهم بمكانته اديبا وروائيا اول.






نحن لا نؤمن بالسؤال ولا نشعر انه هام لاي تغيير وتطوير في اي مجال من المجالات سواء كان المجال ادبيا ام ثقافيا ام سياسيا ام اقتصاديا.. وانما ننتظر الاجابة والتوضيح من غيرنا.. هذا ما يؤكد عليه جمال الغيطاني ويمثله عبر كتابه المخصص لسيرة نجيب محفوظ، وبلسان نجيب محفوظ، وعبر اجاباته على اسئلة الغيطاني الغائبة من الكتاب.. اما السبب الذي جعل جيلا من المثقفين والكتاب لا يؤمنون بجدوى الاسئلة ويفضلون بدلا عنها تقبل الاجابات والايمان بها فهو الاحباط. وهذه ايضا اجابة يقدمها نجيب محفوظ في سياق حديثه عن الوضع العربي وعن اثره في نفسية الانسان العربي فهو يشعر بالعبث.. ولكن اي عبث؟ هو عبث لا يشبه عبث الوجودية ولا تكمن وراءه فلسفة او تبرير عقلاني، وانما هو عبث نفسي يتأتى من شعور بالاحباط مزمن جاء بدوره من عجز عن الفعل. فالانسان العربي الذي طرح اسئلة النهضة والتنوير منذ اواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين على يد الافغاني ومحمد عبده والكواكبي والطهطاوي وغيرهم. وربما قدم في الوقت ذاته الاجابات التي تبين كيفية تحقيق النهضة بانموذجها العربي الاسلامي، واستطاع ان ينقل ذلك الى تمثيلات الثقافة الاخرى رواية وشعرا ومسرحا ليسهم في ابتكار اشكال جديدة على الادب العربي. الانسان ذلك اسهم في ثورات شعبه عبر التأثير ثقافيا وفكريا به، وعلى مستوى مصر ظهرت ثورة 1919. ولكن لم يدم شعوره بالنصر الا مؤقتا حيث تعرض لنكبات ونكسات وهزائم متتالية لم تعوضها، بل كانت وراء حصولها، ثورات العسكريين الذين تحولوا الى اداة لهدم الانسان والوصول به الى حال الاحباط التي يعيشها الان.






قدم محفوظ، اذن، الاجابة الشافية كما يرى الغيطاني، وكما يرى القارئ لاول وهلة. ولكن أليس ثمة سؤال؟ هل يحق لنا السؤال!! اظن. نعم.. فنحن الان في عصر الثورة. وعلينا ان نسال. ألم يكن نجيب محفوظ بوصفه رمزا ادبيا احد اسباب الاحباط الذي يصفه؟ ربما.. فقد استجاب هو وجيله والاجيال التي تلته لبطش الثوار العسكريين وتخلو عن الاسئلة وانصرفوا الى الاجابة، واية اجابة انها الاجابة التي تؤدي الى تكريس الاحباط وتأكيده في النفس ليكون ذلك داعيا الى الحفاظ على الثورات القديمة وهيمنتها..






التغييرمن اين جاء التغيير؟ سؤال آخر اطرحه واحاول الاجابة عنه ادبيا. لقد ضعف تاثير جيل نجيب محفوظ. جيل الاجابات، وجيل القبول بالامر الواقع، وجاءت بعده اجيال تربت على الانترنت وعلى الفضائيات التي لا تعترف بحدود السلطة الجغرافية ومديات تاثيرها الاعلامي وجيل الاغنية القصيرة المصورة "الفيديو كليب" وهي اغنية موقعة ومتمردة واغنية لا تحترم غالبا الحدود التقليدية للاغنية التي يدافع عنها السميعة ولا تحترم حدود الاجابة عن سؤال جدوى الاغنية التي يجب ان تعبر عن الذوق وعن الحب الرفيع وان تبكي وتحزن وتحبط.. ولكي اكمل انه جيل ادوات التواصل الاجتماعي الفيس بوك الذي يخصص لكل شخص صفحة يكتب فيها ما يشاء ويكون مشاركا في صناعة الحدث والواقع والثقافة، وكاتبا لا يقل عن نجيب محفوظ او الغيطاني او غيرهم ممن ينتظرون ان يقبل الناس اجاباتهم ويحترموها ويتأثروا بها.. كاتبا يكتب ما يشعر به وما يراه ويحوله الى مطبوع فيراه الاخرون ويتأثرون به ويعلقون عليه ويتفقون حوله او يختلفون وفي النهاية يكون من الممكن تجاوز حالة الاحباط والتفكير جديا في تغيير الواقع. ولكي انقل للقارئ الصورة ساضع بين يديه نصين اولهما لنجيب محفوظ عن الاحباط وثانيهما لشاب من شباب الفيس بوك (ثبته كما هو) يتحدث عن الثورة وتغيير الواقع.. واترك لكم الحكم!




1. نجيب محفوظ:




الحياة من حولنا تبدو قاسية حياتنا الشخصية في واقعنا المحلي تبدو احيانا عبثية بالضبط.. عبث اجتماعي... اننا نعيش حتى الان احباطات داخلية مستمرة منذ ان وعينا مجرد ان نتنفس نجد من يجثم على انفسنا ليكتمها ويفسد حياتنا. وهذا فظيع، لذلك لن تجد نغمة الانتصار الاولى التي كانت في جيل ثورة 1919. نفس هذا الجيل وصلت اليه الاحباطات لكنه تذوق الانتصار بدأنا نعي وهذا الجيل يتحطم، نعم يتحطم انا بدأت اقرأ الصحف في سنة 1926 كان عمري اربع عشرة سنة كانت الثورة قد هدأت وبدأت التنازلات ثم الاحباطات ثم القمع واستمر ذلك. اتيح لنا التنفس بعد 1952 ولكن سرعان ما انتكس الوضع وهكذا على اية حال اعترف لك بانني سقطت في العبث لدقائق بعد هزيمة يونيو، صحيح ان المقاومة بدأت لكن كان الواقع يبدو عبثيا فظيعا... للاسف تاريخنا الحديث ثورات ونكسات لو ان الامور مضت بشكل سليم منذ عهد محمد علي لاصبحنا مثل اليابان.

2. رسالة شاب على الفيس بوك:




لكل الشباب الذى يرفض القيود والذل
لكل الشباب الذين يبحثون عن الحريه فى أوطانهم ألمكبله بالظلم والفساد والعماله

بصفتى مواطنا مصريا
وبصفتى واحدا من 80 مليونا بنى ادم من اصحاب البلد
وبصفتى حرا وليس عبدا
اعلن المطالبة بالثوره حتى النصر فى كل شوارع مصر
(مين تانى من اصحاب البلد هنا؟)




كن أكثر إيجابية وشارك معنا في حملة توعية المصريين بحقوقهم وتغيير الوضع السيء الذي وصلنا إليه .. يجب أن نشارك جميعا من أجل إعادة مفاهيم الحرية والعدالة والكرامة لكل مصري
وهو تحد كبير يتطلب أن نتغلب أولا على الشعور بالإحباط وأن نندفع نحو الأمل اندفاع من يسير.




* اكاديمي عراقي

د.عقيل عبد الحسين

العـــــودة للصفحة الرئيسة - العدد المزوج 11 و 12


العــــــودة للصفحـــة الام - تكست جريدة شهرية ثقافية مستقلة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق