الأربعاء، 27 أبريل 2011

تكست: العدد 11 و 12 - سليم بركات : مقطع من ديوان ترجمة البازلت خاص بتكست


سليم بركات

ـــــــــــــــــــــ

"ترجمة البازلت"

أشباحٌ تقايض الأشباحَ سُفناً بسفنٍ،

وجسوراً بجسورٍ،

حيث لاتتقدَّم الأرضُ بانتصارها إلى أحدٍ.

جراحٌ متَّزِنةٌ تُحْتًمَلُ بثرثراتِ الألمِ ضاحكاً؛ بالهذيان يُطبِقُ دَفَّتيِّ المُوْجِع على أزقة الله:

هكذا، زُقاءُ ديكٍ يبلبل الأسلحةَ، وذلٌّ مفوَّهٌ يلقي على الجموع بيانَ يقينهم.

أشباحٌ تتوسَّلُ رأفةَ الشُّرَّاح َبقلوبهم في تدوين المُمزَّق. عودي أيتها الحياةُ إلى قَسَمِك الأُلْعُبان أنك، هكذا، زُقاءُ ديكٍ تحت البَرَد.

عُدْ أيها الكمالُ الداعرُ جاحداً قريظَ البقاء، معتلاًّ كحرمان الرِّقةِ من نصيبها. هُمْ، أولاءِ، يعودون بجاهِ الحياة الفظِّ، وبالكمال الداعر إلى إنائهم لَبناً. هكذا هم: زُقاءُ ديكٍ محترقِ الرَّعَثةِ في جحيم العاديِّ.

ياأُخوَّةَ العاديِّ. يتُها الغَلَبةُ ـ ياغلبةَ العاديِّ استرقِّي بهم الخارقَ. أيها الخارقُ المتسوِّلُ، ذو الطاس المثقوب تتساقط منه النقودُ السماءُ يرميها العَدَمُ. أيها العدمُ النيزكُ ـ قضيبُ الضَّبِّ، يالجرَّاحُ بمبضع الشكل المثلوم. أيها الشكلُ العافيةُ قياماً بعد انهيار الروحِ الأسى، المديدِ كعبثٍ لن يكتمل. ياالأسى الدَّرْس بالنوارج في بيادر العِلَل. ياالعللُ الموثَّقةُ بنبيذٍ في جرار المهجور. هكذا هُمْ وثَّقوا المهجورَ بأُخوَّةِ الله، حيث لايوقظ شيءٌ شيئاً، ولايلتجئ الغدُ إلى الوقتِ. سيعثرون على وقتٍ ضيَّعه الوقتُ بآثام خلوده. سيعثرون على أُخوَّةِ العاديِّ ملقاةً بين دراهم الشحاذْين. سينبتون، ثانيةً، بجذورٍ من لحمٍ لم يُملَّح كفايةً؛ بجذورٍ نقوشٍ لم يتسَنَّ لنقَّاشٍ أن يروِّض بها الطبائعَ في حصار الزُّخْرفِ المُحتضَر.

هم، أولاءِ، سأمتدحهم بآراب آلهةٍ تتهشم في ارتطامها بالهاربين إلى الآلهة؛ بخلود النهائيِّ؛ بالعجرفة تنقلُ البحيراتِ في خُوَذٍ إلى المدائح، والسماءَ تنقلُها في الدروع فضيحةً زرقاءَ كأنفاس النمر. لطالما امتدحتُ ألمشكِل كي أُعانَ في عبور الينابيع مدفَّأةً بأنفاس التِّنين ونبض الذهب، حاملاً مصفاةً لتنقية الرمل من نسيان الماء. أحُمَّى بحثٍ عن الرمل في السماء المدفونة تحت الحدائق، هناك، تعينني أن أمتدحَ المُشْكل؟ حافةُ قلبي حافةُ الغروب. سأبقيه قلبي هكذا كي أذوِّبَ أسنانهم الذهبية لِسْبكِ رقم واحد. لم أُؤَمَّلْ في شيء. لم يؤَمَّل الرَّحالةُ بقلوبٍ منسيَّة في الغسق الأول بشيءٍ. دَرَجتِ الحياةُ أن تكون الفِناءَ يُدَحرَجُ عليه الموتُ مُسْتَنْفَداً، لطيفاً كضلال العسل: "تأدَّبْ أيها الموتُ". نوابضُ تحت الأقدام طَوْعَ الموت. دَرَجَ الموتُ أن يؤجِّل الحاضرَ مراراً كدأبِ الحياة أن تؤجِّل الحاضرَ مراراً. كنتُ والموتَ نردُّهم، حيناً، فلا يسقطون عن حافة قلبي. كنتُ والحياةَ نحاذرُ العبورَ بهم، حيناً، على حافة قلبي: "ها أنتَ أحسنُ حالاً، أيها الشقاءُ القَفيْرُ". سأمتدحهم، أولاءِ؛ سأمتدح اليأسَ ـ حشيشةَ البَهَموتِ فيهم، بأفانين الصَّقْل على المواجع الخشنة. أولاءِ، اللَّبَأُ يأكلهُ المستيقظون من حلم النَّحْل. أولاءِ؛ السَّبْقُ المُرْبكُ للخُصى؛ السحابُ المتسوِّل. أولاءِ، الذين من جوع الصوت. اطمئِنُّوا إليهم صَفعةً من الأرض، أو لَكْمةً من السماءِ. شراشفُ هديرٌ تُنْشَرُ بيديِّ الحُمى على أسِرَّتهم كلِّها ـ أسِرَّة البيداءِ ألمُخْتبِلة؛ وهُمْ، بإصغاءٍ إلى الغبار الصادق في أخباره، الصادق في وعده، يسنُّون صباحاتِ النِّصالَ على حجر الحرب، ويُلْبسون الليالي قبَّعاتِ العقل بشراريبَ من عصب الديكِ ـ ضجيعِ الدفينِ. حماقةٌ أبجديةٌ هم. عبثٌ فولاذٌ كقلوب البحريِّيْنَ نابضةً في عتبٍ حديدٍ. أذِلُّوهم بمديحٍ مثل مديحي، مذ أقاموا معكم، أنتم المعتدلون بتقديرِ اليأس للمراتبِ، أوفياءَ للحجريِّ ـ غيمةِ الأصلِ. استنطقوهم ليعترفوا بالأزليِّ فِجًّا في مذاقه تحت لسان الحالم. سيدَّعون أنْ أحَبُّوا النساءَ. نساءٌ أحببْنَ نساءً أكثر منهم؛ علَّقنهنَّ أعلى مما يقدرون ـ هم ـ عليه، إلى غصن الدراقِ. نساءٌ قبَّلن النساءَ بشفاهٍ لاتتكلَّف طيشاً بتمريغ القُبَل في رماد القُبل. سيدَّعون أنْ أحَبُّوا. صدِّقوهم: أحَبُّوا. وهم يحبُّون، أبداً، في قلق. يقبِّلون في قلَقٍ. يعلِّقون النساءَ عالياً إلى قلقِ الأعالي المتكسِّر بأغصانه تحت ثقل الدرَّاق، ويحصدون الماءَ بمناجلَ ماءٍ في لوعة العاشقيْنَ. نواجذُهم نواجذُ الرقيق عضًّا من المُحْتَمَلِ القناص. بداياتهم موجعةٌ. راحاتُهم ملآى بالقار بعد هبوب الليليِّ عليهم من غضب المعاني: لقد وُهِبوا تُحْفةَ الهرب بأقدارٍ ليست إلاَّ سأَمَ الله.

أقدارٌ ذابلةٌ.

آلهةٌ ذابلةٌ على غصن شجيرة الباذنجان:

كم تمنَّيتُ ذبولاً أكثر؛ كدَماتٍ حول العيون من صَرَعٍ في خيالِ الهواءِ. خدودهم المتورِّدةُ حَنَقاً لن تتورَّد ثانيةً بابتزاز الماهياتِ للمُمكن. لن تكون خدودٌ، بل ظلامٌ يتحفَّظُ عن الظلام بشكوىً واحدةٍ من شؤم النُّور.

أقدارٌ ذابلةٌ:

سيكذبون حتى الصميم الموْرِق للحقائق في لعبها بالأكاذيبِ إلى الأقصى.

سيكذبون بأفواهٍ ذابلةٍ.

سيدَّعون أنْ لاسببَ لقولِ الحقيقة؛

لاسببَ للكذب، أيضاً:

إنه غدْرُ اللسان، مُذ لم يكن اللسانُ إلاَّ غدرَ المعقول بالمعقول.

أقتلتُهم، من قبلُ؟

أقتلتموهم، من قبل؟

عظامٌ مراجلُ تغلي فيها زبدةُ القيامةِ عظامُهم، وموتُهم يتعثر بالموتى في استعراضه وَشيَ الصلصال على جرار الأرواح. لايرتديهم عدمٌ. لايرتديهم وجودٌ. هُم، أنفُسُهم، عدمٌ فضفاضٌ لايُرتدى، ووجودٌ ضيِّقٌ لايُرتدى. مرتبكون. أوداجٌ منتفخةٌ في نكاحٍ صامتٍ. نُفَاخاتٌ في النَّقاءِ الحُثالةِ. أَقتلتموهم قبل النهايةِ المحترسةِ أنْ يبدِّلها رعاعُ النهاية؟ أقتلتُهم قبل نداءِ الغبار الورَّاق؟. لازوَرْدٌ مبغىً على أفق البحرالمسوَّى كالمنضدة بِمسْحاج المغيب، وهُمْ في اللازورد كإذعانِ السُّكَّريِّ المُعذَّب؛ أكواخُهم في منعطفات اللازوردِ الرملِ، على ثدييِّ البحر المُظلَّليْنِ بأشرعة المفقود. زرائبُهم حول سُوْر الفردوس تخرج منها الملائكُ على عَجَلٍ، وتعود على عَجَلٍ، كأنما تسمع الأبديةَ المِثقابَ توسِّعُ في الأرواح الصلدةِ خروماً لعبورِ الدُّخان الأزليِّ. ليلٌ ساذجٌ ليلُهم. نهارٌ مغفَّلٌ نهارُهم. عناقيدُ حليبٍ تتدلَّى من عرائش اليقظة، التي تنكَّروا فيها للنقاءِ المدبوغ طويلاً بأملاح الحجر. اقْتلوهم الآن. سأقتلُهم الآنَ. لافديةٌ تُرتجى. لايُقتلون. سيأخذونكم. سيأخذوني معكم في كل ماءٍ يطفو عليه دَقَلٌ مكسورٌ:

إنه الجفاءُ بين النهاية وأُمِّها.

مرحى أيها الأملُ المهدِّدُ، ذو الأضراس كما للكرز السَّليط : سنعلِّمُهم كيف يُقتلون؛ كيف يستميحون قَتْلَهمُ المعذرةَ، نبلاءَ يوزِّعون تواريخَهم ماءً بالقواديس على جداول الخالد الأربعة؛ يوزِّعون، على المعلوم المُتبجِّح رغوةً في القُدور، مَرَقاً مُنكَّهاً بالإِجاص المسلوق مع ذيل الثور.

مرحى أيها الدَّحْضُ المائيُّ، المُنْصِفُ في المنطق ضاغطاً بأضراسه على الغيبوبة الصلبة كتَرقوَة الحمار: سنعلِّمهم سطوَ الظلال على المرئيِّ، وسنتبعهم، في الموتِ، بالنجومِ الرشوةِ، إلى سماءٍ في كَنَف الأرض تتولَّى رزْق الصِّور الشريدة؛ إلى العراءِ السِّفاح ـ أبِ الجمر في مواقد الكونِ؛ إليهم ـ همُ النهيقُ كما لم يُسْمَعْ قبْلاً. هُمْ هُلْبُ خنزيرِ الوحشِ منتصِباً إنْ حُوصر. ميَّالون، بطبع البرق الخسِّيس، إلى وصف السنوات الرعدية في تقاويم الجَبْرِ ـ مزارِ المُنشديْنَ للأجرام جنوبَ الكلماتِ وشمالَها، كأنهم أثَّثوا لأسرارهم الصغرى ثُكناتٍ في أخبار القوافل، وأرشَدوا الوقتَ، المُقْتَرِضَ فصاحةَ الرَّقْم، إلى أسرارهم الكبرى ـ دَيْنِ الرقم.

عدْلُ اللذائذ. هكذا العَدْلُ يُحْتذى لذائذَ أهوالاً بما قسَّموه من الجَمَال المُشاكس على خنادقهم، وأباحوا القياسَ المُعَسَّلَ للأَبعاد. قلوبُهم مؤجَّلةٌ. لأقدارهم ملاطفاتُ الخواتم للخواتم. لاينزلون عن الأدراج الرزينة في أسواق الجِيْر. قلوبٌ جِيْرٌ قلوبُهم للدِّهان بياضاً يؤنِّقُ أزقَّةَ الكلمات. جيْرُهم لن يتقشَّر عن الأعمدة إنْ دُهِنتْ في الخميس المسكونِ. حيواتُهم مرحَّلةٌ من نشيد البندق إلى نشيد البَلاذرِ. يالاِعْتدالِ الآفَّةِ. يالِكُسَارةِ الزجاج في الأفواه: لقد ادَّهنوا بزيت القُنْدس على مشارف المُلْغِزِ، ونثروا الحَسَكَ الحديدَ في المجاهل يعيقون الرَّحالةَ. هم رَشَقُ الفتْك؛ الخمورُ مُهرقةً في أقبيةِ الغيم، وظلالهم هيَ ذاتُها: عجرفةُ القُنَّبيطِ أُتْخِمَ رِواءً من سواقي المُنحَدراتِ. ا

تْ

بَ

ع

و

هُم

اتبعوهم إلى اللذائذِ ـ ثُدِيِّ الذئبةِ الستة. اتبعوهم في سقوطهم، تباعاً، من أيدي الحرائق مغسوليْنَ كألطُّرُقِ يعبرها الملوكُ. اتبعوهم ملوكاً مذعوريْن أضاعوا الطُّرُقَ للخروج من ممالكهم. كلُّ ذعرٍ ألَقٌ. وَبِّخوا الألقَ في كل شيءٍ. ازْدَروهم بأبيهم الألقِ المُزْدرى. عاتيةً اُعيدوا إليهم مجادلات الأبراجِ بلا تكلُّفٍ. ويْحَ ماكانوا. ويْحَ مايكونون في الأهوال المُحْتَشمةِ. قليلاً،

قليلاً،

ابتعِدوا عنهم، كأنكم الحِرْزُ المأمولُ لليراعاتِ. أبْعدوا عنهم أطوارَ الشِّبْثِ والباقلاءِ: أهِيَ المعاتباتُ الرقيقةُ بين النار والريح وثَّقَتْهم شجوناً في السجلِّ الناطقِ؟ عذابٌ هِبةٌ كالشكِّ يروِّح عنهم قيظَ الإنسانِ. عذابٌ مَرَحٌ: أغدِقوا عليهم هباتِ الشكِّ رقيقةً كمعاتباتٍ بين النار والريحِ. بهذا، أو ذاك:

بشراعٍ واحدٍ،

لابيقينٍ واحدٍ؛

مقطع من ديوان ترجمة البازلت خاص بتكست

العـــــودة للصفحة الرئيسة - العدد المزوج 11 و 12


العــــــودة للصفحـــة الام - تكست جريدة شهرية ثقافية مستقلة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق