اجمل حكايات الزن يتبعها فن الهايكو
*باسم الشريف
هو واحد من اصدارات مهمة اتحفنا بها المجلس الوطني للثقافة والفنون والاداب في دولة الكويت ،عبر سلسلته الابداعية المميزة .انه كتاب هنري برونل الموسوم (اجمل حكايات الزن وفن الهايكو ) الاصدار حمل الرقم ( 353 ) قام بترجمته محمد الدنيا وراجعه د.محمود رزوقي والكتاب الذي نحن بصدد تسليط الضوء عليه يبدا بسؤال واضح وصريح يطرح نفسه في مستهل التمهيد الذي وضعه المؤلف لكتابه هذا
ما هو الزن ؟
لهذا السؤال الف اجابة ولا اجابة عنه .ثم يواصل الزن في الواقع ( مذهب اللاشيء ) هنا تتسع دائرة السؤال وتأخذ منحى اخر .
وماذا تقول حول اللاشيء ؟
ربما امكنني التهرب من الاجابة ـ يقول الكاتب ـ بان اتحدث في اصول الزن والمظاهر التي اتخذها عبر القرون في الهندوالصين واليابان ـ لابد انكم سمعتموهم يتحدثون عن حدائق الزن وفن الزن ، وشعر ، ومسرح وتصوير الزن .
ـ ماهو الزن ؟يصبح التساؤل اكثر حدة ووضوحا .
ـالزن هو سلوك ذهني وطريقة مختلفة لادراك الواقع انه ان ترى الشيء عاريا مجردا دون معرفة ذهنية قبلية وبلا تشويش انفعالي : زهرة ،حجرا ، مشدا ، طيرا ، "ارفع اصبعي " اجلس صامتا .. وهنا يقوم الزن ايضا .
كتب المعلم د . ت . ( سوزوكي ) يتجلى اللامتناهي لمن يجيد " الرؤية " دون ان تحجبها رغباته ، وذهنه ،ومخاوفه ، و" اناه " في احداث الحياة اليومية الاكثر تواضعا كل شيء بالنسبة الى الزن هو رسالة مطلق ، هو المطلق قبلا . يواصل الكاتب في معرض تعريفه للزن قائلا .
ان هذا التاكيد للزن غير كاف حتى لو ايقظ فينا شدوا غير معهود غير ان المترجم وفي معرض تقديمه للكاتب يعرض لنا مراحل البوذية تحت عنوان " بوذية الزن اليابانية " . بدءا من اليابان التي عبرت اليها البوذية في منتصف القرن السادس الميلادي والتي كانت قد تكيفت في الصين قبل ذلك ويعتبر المترجم هذه البوذية هي في جوهرها مذاهب المركبة الكبرى ( grande vehieule ) مهايانا ، التي تعود في اصولها الى البوذية الهندية ويفيد المترجم ان (الشنتوية Shinto ) هي الديانة الاصلية بالنسبة لليابانيين . وتقتصر طبيعتها على مزيج من تآليه ارواح الطبيعة الخالقة وتبجيل الاجداد وماضيهم وعبادة البطولات ويفيد ايضا ان (الشنتو )كلمة ليست يابانية بل صيغت في القرن السادس مع دخول البوذية للتعبير عن التراث الديني الاقدم وجودا في البلاد ، أي عن طريق ( الكامي ) kami ومن سماته الابرز "الحدسية " أي الاحساس الوجداني العميق بالقوة الروحية المسيطرة على الاشياء ويدرك المؤمن الياباني الكامي على نحو حدسي في اعماق وجدانه ، ويتصل به اتصالا مباشرا من دون ان تكون لديه فكرة عن الكامي من حيث التصور او اللاهوت وفي معرض شرحه يعتبر المترجم ان عقائد وممارسات ( الزن ) zen اختصار zenna من السنسكريتية dhyana ـ دهايانا أي "التامل "
وهي طائفة بوذية تمزج بين الشنتوية والتشانية التي نقلها الراهب ايساي او (ابوساي ) من الصين نحو 1192 . ويقول ان بوذية الزن هي مذهب التأمل في تجربة الاستنارة ، بودي bodhi التي كانت (البوذا ) (حكيم ساكياس ) مثلما يسمى ايضا نسبة الى قومه ،وتعتبر تأملية الزن هي بمثابة ايقاضا لبوذا الموجود في النفس من اجل تحقيق الذات عبر الحياة اليومية والعمل وضبط النفس والولوج الى جوهر الاشياء بالحدس لا بالعقل ، ومن ثمة معرفة الحقيقة الازلية ـــ ويمضي المترجم قدما في معرض تعريفه بالكاتب ،حيث يقول كان رائد الزن هو (داينيشي نونين ) ـ dainichi Nonin ـ من اتباع مدرسة التنداي (فرقة بوذية يابانية ادخلها سايكو 767 ـــ 822 ) الى اليابان ـــ وقد حاول (داينيشي نونين ) دون نجاح ايجاد مدرسة بوديدراما ( ( Bodhidarma لكن تيار الزن الحقيقي في اليابان يعود الى اعمال "ايساس " 1141ـــ 1215 اما المدرسة الثانية في مدرسة (زن كاماكور ) فهي مدرسة "سوتو ـشو" Soto Shu " التي اسسها دوغن (1200ــــ1253) Dogen الذي ركز على تعاليم التنداي وكان قد درس الزن مع ايساي ــقبل توجهه الى الصين ولقد ادت مدرستا الزن هاتان دورا بارزا في اليابان وقد تجاوزتا عتبات البوذية حيث كان من بين اتباعها ، ادباء وخطاطون وشعراء وفنانون اوجدوا اساليب اساسية في فن التصوير ،استوحوا موضوعاته من عقيدتهم لكنهم تجاوزوها بعد ذلك الى الصور الدنيوية وكان النبلاء ينتسبون اليها بحماس اما السوتو فقد تبؤات مكانتها بين الساموراي لبساطتها واعتدال صرامة ممارستها ويعتبر مذهب تشان (Chan) الزن بالتسمية اليابانية ويعني التامل العميق للوصول الى المعرفة وبلوغ الاستنارة احد ثمار بوذية الصين التي تعتبر ان مصدر الخلاص هو الاستنارة الداخلية التي تأتي في لمحة خاطفة فجأة مثل ما حدث لبوذا وان الحقيقة الوحيدة هي طبيعة بوذا وهوما يمكن ان نراه بنظرة متفحصة في داخل انفسنا ويمكن تلمس هذه الاستنارة حسب اصحاب هذا المذهب في ممارسة الاعمال البسيطة كزراعة الارض والتجارة وتأدية الخدمات للأخرين لذلك أننا نجد حرص الكاتب واضحاً في أضاءته للزن من كافة جوانبه عبر احدى وعشرين حكاية اختارها بعناية من بين مئات اخرى هندية وصينية ويابانية . فهي حكايات آتية من اعماق العصور يزدهر بها الذهن وتصطدم بها حساسيتنا الحديثة ،تقض مضجع الرتابة وتهشم آليات وعينا المبعثر . وتعيد لنا نقاءه ، تعيد براءتنا لنضحي من خلالها متماهين مع الكون والصفاء ، ينكشف لنا من خلالها المطلق بين ثنايا المحدود وليس هناك محال امام تلك الحكايات . المسرة ، واليقين ، التوتر ، والصلابة ، التفاؤل ،والوضوح . اعجاز في حركة الانسان بكل ذلك يتجلى السر ،هناك افق من اللامأ لوف . دائما الحقائق تنبلج عبر الحدس لتولد النور حكايات من اقبية الماضي تهزأ من ثوابتنا المبهمة من آرائنا المتحجرة ومن انانيتنا التائهة . وتخندق ذواتنا فهي الصدمة التي تحرر انواتنا من ضغائنها وتطلقها من قرارة ترسبها فهي اذن حكايات تحملنا على اليقين وتبث بنا ارفع تعاليم الرسالات الروحية من اجل أن نكشف ما ننشده منها . انها حكايات رائعة يمكن للكبار و الصغار على حد سواء وحسب حدس كل واحد منهم ومستوى وعيه ان يتعاطى معها فحكايات الزن هذه تفتح لنا ابواب عالم خلاب ،هي قبل كل شيء مدرسة للحرية . اما في القسم الثاني من الكتاب فهو يقدم لنا قصيدة (الهايكو) ( haikus ) والتي هي شعر الزن . حيث تبنى على ثلاثة اسطر تتشكل في مجموعتها من سبعة عشر مقطعا لفظيا تأخذ مادتها من الطبيعة محولة انطباعاتها عنها مع كل ما تتضمنه من طقوس وعادات وكائنات حية. شرط ان تكون المفردات يابانية بالاصل حيث يعمل الشاعر على تحميل صورته الشعرية المثيرة والظاهرة للعيان معنى او معاني اخرى خفية قد يخفى كشفها علىالقارىء غير الملم . فهي لاتكشف عن عذوبتها الا للاذهان الخفية والقلوب المتيقظة ، لا مجال فيها للتوقدات والتصادمات الكبيرة للصور ولا للصراخ والموت والدم ،الهايكو بساطة ورشاقة وتعرية للجوهر الهايكو على طاولة خشبية هي زهرة من حقل انها الزمن المرصود للصمت ، ظرافة وسر ، طير يحط ، لحظة هاربة ،غصن ازلي رقيق .قصيدة الهايكو هي فرصة ممنوحة لنتكهن بكل شيء، لنحب كل شيء في ومضة ثلاثة ابيات من الشعر .
* قاص عراقي
العـــــودة للصفحة الرئيسة - العدد المزوج 11 و 12
العــــــودة للصفحـــة الام - تكست جريدة شهرية ثقافية مستقلة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق